السبت، 18 أبريل 2015

وقت الفراغ... أهميته واستغلاله

المقدمة:

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد ؛
أقسم الحق – جل وعلا - بأجزاء من الوقت في مواضع عدة في القرآن الكريم؛ فقال – سبحانه - : ( والعصر), (والفجر) ( والليل إذا يغشى ). وما أقسم الله  بشيء إلا لعظمته..
فالوقت هو الحياة, وهو عمر الإنسان؛ فإن ذهب وقته فقد ذهب بعضه. ويقول النبي – صلى الله عليه وسلم – ( اغتنم خمسًا قبل خمس وذكر منها وفراغك قبل شغلك ) صححه الألباني.

عرض المشكلة والحل:

وقد أجرينا استطلاعًا شارك فيه أكثر من خمس وسبعين طالب جامعي عن وقت الفراغ وأهميته, وكانت النتيجة كما يلي:

92% منهم يقضون جزءًا كبيرًا من أوقات فراغهم في الانترنت (يوتيوب- مواقع تواصل  ... إلخ), وهذه نسبة كبيرة جدًا إذا ما قورنت بالأفعال النافعة كممارسة الرياضة –مثلًا- حيث أجاب 45 % بأنهم يقضون جزءًا من وقت فراغهم في الرياضة. و70% بين الأفلام وألعاب الفيديو !

وتشير نتائج الاستطلاع من العينة المشاركة إلى أن 36% يقرؤون الكتب وهذا مؤشر دون المستوى المأمول؛ لأننا أمة اقرأ وطلاب العلم معظمهم لا يقرؤون ! وعندما طرح سؤال هل لديك أهداف غير دراسية أجاب 90% منهم بـ( نعم) وكان المتوقع أن تكون النسبة نفسها على سؤال ما أهمية وقت الفراغ بالنسبة لك, لكنها انخفضت للمجيبين بأنه ذو أهمية عالية إلى متوسطة إلى 64%.
وفي هذا إشارة إلى أن نسبة ليست بالصغيرة ممن أجابوا بأن وقت الفراغ مهم لديهم لا يستغلونه بشكلٍ صحيح كما تبين من السؤال الأول. وفي هذا دلالة أيضًا إلى أننا لدينا بعضًا من الوعي والإدراك وقليل من العمل والتطبيق ! بمعنى أننا نضع في حسباننا أهمية الوقت واستغلاله ولكننا لا نقوم بذلك حقًا.

ويمكننا أن نقول أن نتيجة هذا الاستطلاع تدل إلى أن نسبة كبيرة من طلاب الجامعات لا يصرفون أوقات فراغهم بشكل صحيح ، وربما يقضونها فيما يضرهم !

وربما يقول قائل: في هذه الجامعة ليس لدينا وقت فراغ كبير وما تبقى من الوقت نقضيه في الراحة من تعب الدراسة, فنقول أن 32 طالبا من أصل 75 أجابوا بأن أوقات فراغهم تتجاوز الاثني عشرة ساعة أسبوعيا بمعدل أكثر من 155 دقيقة يوميا ، وهذا وقت عظيم لو استغل بشكل صحيح. فمثلًا من يقتطع من وقته 15 دقيقة يوميًا لحفظ القرآن وأخرى لحفظ الأحاديث ومثلها للقراءة خلال حياته الجامعية لتخرج من الجامعة وهو يحفظ القرآن والكثير من الأحاديث وأصبح شخصا مثقفا وبارعا فيما يقرأ.

إن قضاء فترة كبيرة من أوقات فراغنا فيما لا ينفع يبعث شعورا بضيق الوقت وعدم وفرته ومن ثم يؤثر ذلك على تحصيلنا الأكاديمي وربما أدى ذلك إلى عواقب أكثر سوءا.

وإن من نظم وقته ، ورتب حياته ، يستطيع بإذن الله أن يفعل كل ما يريد ويحقق أهدافه وطموحاته؛ فلدينا أمثلة كثيرة متفوقة أكاديميا ومحققة لأهدافها غير الدراسية ، نذكر منها المهندس عاصم الغامدي الذي تخرج من الجامعة بمرتبة الشرف الأولى،  وفاز بالعديد من الجوائز في الإلقاء،  وعمل صحفيًا في قناة الجزيرة ، وهو مهندس صناعي، وغيره الكثير.


إن البداية الصحيحة لاستغلال وقت الفراغ هو أن يدرك الطالب من هو وما هو سبب وجوده في الحياة, وما يريد منها. يقول الحق: -جل وعلا- "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" (56) الذاريات.
فجميعنا يحفظ هذه الآية عن ظهر قلب ، لكن للأسف الكثير منا لا يدرك أهميتها وما تدور حوله. يا ترى لو أدركها ذلك الإنسان الذي يقضي جل وقت فراغه في ما لا ينفع هل سيستمر في ذلك أم سيصرفه فيما يعود عليه بالنفع في الدنيا والآخرة.

إن إدراك الإنسان حقيقة ذاته وأن أيامه في الدنيا معدودة يبعث في النفس الشعور بالوقت وأهميته وقيمته ، وحين يعي ذلك  يبدأ بوضع أهدافه الكبرى والتي أجلها رضى الله ومن ثم يجعل حياته تدور حول هذا الهدف، بعد ذلك يجعل أهدافه الصغرى جزءا لا يتجزأ من هدفه الأكبر. فنجد المدرك لذلك يقضي وقت فراغه بين الحقوق التي تكلم عنها النبي -صلى الله عليه وسلم- في القصة :
عن عون بن أبي جُحَيفة عن أبيه قال: ((آخى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدَّرداء، فزار سلمان أبا الدَّرداء، فرأى أمَّ الدَّرداء متبذِّلةً، فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدَّرداء ليس له حاجة في الدُّنيا. فجاء أبو الدَّرداء، فصنع له طعامًا، فقال: كُلْ. قال: فإنِّي صائمٌ. قال: ما أنا بآكلٍ حتى تأكل. قال: فأكل، فلمَّا كان اللَّيل ذهب أبو الدَّرداء يقوم، قال: نَمْ. فنام، ثمَّ ذهب يقوم، فقال: نَمْ. فلمَّا كان مِن آخر اللَّيل قال سلمان: قُم الآن. فصلَّيا، فقال له سلمان: إنَّ لربِّك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعط كلَّ ذي حقٍّ حقَّه. فأتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: صدق سلمان) رواه البخاري
 فبين راحة واسترخاء وما يعود عليه بالنفع.


ومن الطرق المثلى لاستغلال وقت الفراغ هو أن يفهم الإنسان نفسه وماذا يحب وماذا يكره ، ثم يخطط أن يستغل مهاراته ومواهبه في ذلك.
والمخطط التالي يوضح كيفية معرفة النفس وكيفية استغلال الوقت بالشكل الصحيح:




ى

الخاتمة:

الوقت هو الحياة وما يفعله الإنسان في وقته هو ما يصنع هويته ، والجدير بطالب العلم (الديني والدنيوي) أن يستغل وقته وحياته فيما يعود عليه بالنفع في الدنيا والآخرة، والسبيل إلى ذلك هو أن يبدأ الإنسان بمعرفة نفسه وما يحب من الأعمال، وكيف يمكن أن يكون مستمتعًا بأعماله، ناجحًا في حياته ، راضيا لربه, محققًا سبب مجيئه في الدنيا.



وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.