الأحد، 16 أكتوبر 2016

واكتمل بدر السماء

هناك...
في قب الصحراء ... وفي جوف الليل؛  كان البدر ساطعًا في السماء يمحو قليلًا مما يخفيه سواد الليل الحالك ..

وفي ساعة مقاربة لهذا الوقت - الثانية بعد منتصف الليل ,,,
كانت هناك صرخاته الأولى على كوكب الأرض معلنة قدومه على ظهرها 

كان يوم اكتمال بدر السماء 
وكان يُؤمل فيه أن يكون بدرًا من بدور الأرض

وعلى غير إخوته ولد في الصحراء ويبدو أنها أثرت في طباعه كثيرًا...
فاكتسب منها الغلظة وشدة البأس !

ومضت الأيام سريعًا...
أصبح المولود طفلًا يلعب هنا وهناك مزعجًا أمه كثيرًا 
التي لطالما أنهكها عمل البيت وتأتي لتنام ليصيح بها ( أمي نامي رجلك ) " أمي أنام على رجلك " فلا تجد العظيمة غير أن تستند إلى جدار في الغرفة لينعم هو بنومة هنيئة !! 
فصار الطفل غلامًا 
بسط الله فيه القوة الجسدية بين أقرانه فكثر غروره " شايف نفسه " على الناس وأصبح لا يرى في العالم أحدًا سوا نفسه 
ومرةً أخرى 
يكبر الغلام فيصبح شابًا مراهقًا 
فينجرف قليلًا في تيار العوام وتدراكه بعد ذلك رحمة من ربه وينضم إلى قوافل الحفاظ لكتاب الله ويعلو شأنه بين أصحابه أكثر !! 

وبعد ذلك 
تُغرس الأقدار من حوله أنه الأفضل في الكون عندما أنعم المولى عليه بنسبة عاليا جدًا - حين ذاك - في اختبار ما يسمى بالقدرات
وعلى إثرها التحق بالجامعة 
التحق بالجامعة وكان يرى في معتقده انه الأفضل لا لشيء يبذله سوا أنه فلان..

حالفه الحظ - حسبما كان يظن ! - مرةً أخرى عندما قبل في جامعة البترول على غير عادتهم في قبول الطلاب 
لتعزز من تلك المسلمة الكاذبة أنه الأفضل في نفسه !! 

وهنا كان يجب أن يتذوق الدرس قاسيًا ...
قاسيًا جدًا .. !
ليدرك بعد عناء أن النجاح يأتي لمن بذل لا لمن تكاسل واتكا على سابق عمل قدمه !!

ففي اختبار تحديد اللغة الانجليزية تبين ضحالة مستواه إلى جانب أقرانه ليتأخر في السنة التحضيرية عن بقية زملائه  " الذين كان يعتقد أنه أفضل منهم " فكيف تأخر دونهم !!

ساءت حالته النفسية كثيرًا مم أثر على مستواه إلى أن تخرج من الجامعة...

وهناك..
 ذاق الدرس مرارًا وتكرارًا مرةً أخرى ..
فجنسيته التي ورثها عن أبيه ظلت عارًا يلاحقه أينما ارتحل في بحثه عن وظيفة !! 
وكان الجواب دومًا - أجنبي والتوظيف للسعوديين فقط - !! 

وظل سنة كاملة يشحذ على شهادة أخذها من " الجامعة المرموقة " ليجد قوت يومه وليته. وجد !! 

ساءت حالته النفسية كثيرًا - وما زالت - 
فعاد مطأطئ الرأس ليلتحق بالجامعة مرة أخرى في درجة الماجستيرليجد قوت يومه ويكف يده عن أهله - وعزاءه أن الله قال : ( وعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا ) 

عاااد 
وليته عاد كأول مرة !! 
بل عاد كالوردة الذابلة التي اُمتص رحيقها ؛ فأصبحت يابسة سليمة المظهر بائسة الجوهر .
عاد وجل أمله في الحياة... تكسر على صخر الواقع 
ولم يبق له سوا عزاء يسلي به نفسه المنهكة من التعب...

ذاك بدر الأرض ... قد بدا بدرًا خُسف به ؛ فلم يتبق منه سوا هلال أول شهر يكاد يرى طيفه !! 

خمس وعشرون عامًا قمريًا مروا على ذلك المكان الذي شهد صراخه لأول مرة في قلب الصحراء...

أخبره والده يومًا أن الأيام تمضي سريعًا 
لكنه لم يكن ليدرك أبدًا أن خمس وعشرون عامًا سيمروا كلمح البصر !!
متى وكيف وأين لماذا !! 

ولسان حاله يقول يا عمري اصبر لحظة وتأمل معي 
لحيظات من فضلك,,,  أتأمل أين ذهبت تلك الخمس وعشرون وفيم أنفقت !! 
مرت كطيف سريع الزوال ...

فيا حسرته على ما فرط في جنب الله وقضائه تلك الحياة الطويلة في اللهو واللعب ...

عزاءه أن الله يتوب عليه قبل أن يغادر الدنيا 
وأن يجتهد فيما بقي من عمره عسى أن يتجاوز الله عن ما أسلف من حياته...

ويا ترى 
هل في القدر عام قادم في عمره ليحدثكم عما أحل به ..
أم
أن رب الأقدار كتب أن هذه آخر محطة سنوية يزوركم فيها 

فيارب 
اختم لنا بخير واجعل الفردوس الاعلى مستقرًا لنا 
إنك ولي ذلك والقادر عليه


الأحد - الثانية صباحًا 
15-1-1438